حيـاتنا قـيـم : القيم الاجتماعية
التطوع
التطوع: عمل مفيد يقوم به الفرد بمحض إرادته، مدفوعا بحبه للخير، ونزعته لنفع الآخرين، لا يبتغي به منفعة مادية أو معنوية.
مقال
تجارب
مخطط
قصة
التطوع في الإسلام
التطوع في الإسلام
د. عماد زكي
التطوع: عمل مفيد يقوم به الفرد بمحض إرادته، مدفوعا بحبه للخير، ونزعته لنفع الآخرين، لا يبتغي به منفعة مادية أو معنوية. وقد حث الإسلام على التطوع ليطلق الطاقات الخيرة في نفوس المؤمنين إلى أقصاها، توخيا للثواب، وإرضاء الله عز وجل، ولتحقيق الذات المؤمنة التواقة لفعل الخيرات، وإثراء الحياة بكل ما نافع ومفيد. وجعل الإسلام من التطوع علامة من علامات الإيمان، إذ قال النبي صلى الله عليه وسلم: " الإيمان بضع وستون شعبة( وفي رواية سبعون شعبة)أعلاها قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان".
ويفيد الحديث الشريف الذي ينطوي على بلاغة، وذكاء نبوي بالغ في إيصال الرسالة للمؤمنين، بأن بين الإيمان وإماطة الأذى عن الطريق، أنماط وأنواع وأبواب لا حصر لها من الأعمال التطوعية والخيرية والتعبدية والأخلاقية التي يحضنا الإسلام عليها، ويتوقعها منا دون أن يسميها، ليترك لنا حرية تصنيف مابين الخصلتين من خصال خيرة، نستطيعها أو نتوق إليها، لنؤكد إيماننا بقدر ما نفعل منها، ذلك أن سكوت النبي عن تحديد الأعمال الباقية التي تقع بين الإيمان وإماطة الأذى عن الطريق، والتي لم يذكر منها سوى خلق الحياء، يعني إطلاقا للفكر، ليجترح من الأعمال الخيرة ما وسعه التفكير والابتكار.
وباب العمل الإيماني مفتوح على مصراعيه، ومن تطوع وزاد منه، ازداد إيمانا، منه ماهو تطهير للنفس، وتعميق للعقيدة، كأفعال التعبد والذكر والنوافل التي تزيد من الإيمان، ومنه ماهو لتعزيز القيم والأخلاق كخلق الحياء، ومنها ماهو نافع منها للناس، بغض النظر عن لونهم ودينهم وجنسهم، بل ويتجاوز ذلك للكائنات جميعا.
فلو أخذنا مشهد الطريق وحده الذي يمر به الإنسان والحيوان، وتنمو على أطرافه الأشجار والنباتات، ويعبر فوقه المسلم والكافر والبر والفاجر، لوجدنا أن فعل التطوع في رفع الأذى عن الطريق، ينطوي على الكثير من الصور والمعاني والمفاهيم والأعمال التطوعية التي قد تفرد لها جماعات ومنظمات، فأنت عندما تمهد الطريق، وتؤهله لمنفعة الكائنات، تنفع الإنسان والحيوان والنبات، بل وتنفع الجماد أيضا كالسيارات والمركبات والدراجات التي تسير عليها، من أن تتلف، أو تستهلك قبل أوانها وعمرها الافتراضي، الذي صنعت لتخدم ضمنه، فأي آفاق يحملنا إليها هذا الدين الذي جعل الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، الذي أرسى دعائم دولة الإسلام، ودانت له الفرس والروم، وذاع صيت عدله وورعه في الدنيا، يقلق على أخراه، خشية أن يسأله ربه عن شاة وقعت في نهر دجلة، لماذا لم يعبد لها الطريق؟!.
المؤمن إذن إنسان إيجابي، يتحرك دائما لفعل الخير، بعد أن يؤدي الفرائض، ويسدد حق الله في نفسه وأهله وماله، فيتطلع للمزيد، وهو ما عبر عنه القرآن في قوله تعالى "فمن تَطَوَّعَ خيراً فهو خير له" (البقرة 184) وذلك في معرض الحديث عن فريضة الصوم، إذ حدد المطلوب من العبد، والذي تسقط به الفريضة، ثم أطلق العنان لمن وجد في نفسه الطاقة والقدرة ليتطوع ويحقق المزيد.
جاء في صحيح مسلم عن مالك بن أنس، فيما قريء عليه عن أبي سهيل عن أبيه، أنه سمع طلحة بن عبيد الله يقول جاء رجل إلى رسول الله أهل نجد ثائر الرأس، نسمع دوي صوته ولا نفقه ما يقول، حتى دنا من رسول الله فإذا هو يسأل عن الإسلام، فقال رسول الله خمس صلوات في اليوم والليلة، فقال هل علي غيرهن قال: لا، إلا أن تطوع، وصيام شهر رمضان، فقال هل علي غيره، فقال: لا، إلا أن تطوع، وذكر له رسول الله الزكاة، فقال هل علي غيرها قال: لا، إلا أن تطوع، قال: فأدبر الرجل وهو يقول: والله لا أزيد على هذا ولا أنقص منه، فقال رسول الله: أفلح إن صدق.
والمؤمن في عمله التطوعي، يتحرك بنية خالصة، لا يبتغي إلا وجه الله وحده، ويجد في صفاته تعالى مثلا يحتذي به، متمثلا قوله عز وجل: "إنما نطعمكم لوجه الله، لا نريد منكم جزاءا ولا شكورا" وهو عندما يفعل الخير أو يتصدق، أو يطعم المسكين، أو يعطف على اليتيم، أو ينقذ إنسانا أو حيوانا أو نباتا أو يحمي ممتلكات الآخرين، أو حتى يرفع الأذى مهما كان يسيرا عن الطريق، لا يبحث عن رضاء الناس ومديحهم، ولا يسعى لرسم صورة شعبوية أو انتخابية، تلفت إليه الأنظار، بل يفعل ذلك لوجه الله، ولإرضاء الله، وليقدم له الشكر على أنعم عليه ن قدرة وطاقة، ببذل الخير لغيره من العباد، وينثر ما يستطيع من النفع للآخرين.
بل إن بعض الصالحين يميلون للتكتم على أعمال الخير والبر، ويتطوعون بما استطاعوا بعيدا عن الأضواء، ويؤثرون لقب "فاعل خير" على أن يعرفوا بما قدموا ويمتدحهم الناس، وقد حض الرسول صلى الله عليه وسلم، على صدقة السر بخاصة، لأن فيها إخلاص الغرض، وستر المتعفف، فلا يعرف ضعفه، بمعرفة من تصدق عليه وأعانه، فهي صدقة خالصة لوجه الله عز وجل وكما روى أَبِو هريرة، عَنِ النبي صلى الله عليه وسلم في السبعة الذين يظلهم الله بظله : " ورجل تصدق بصدقة فأخفاها، حتى لا تعلم شماله بماتنفق يمينه" فأي تعبير أبلغ عن هذا الصمت المقدس الذي يمارسه المتطوع، وهذا النبل الذي استحق به صاحبه أن يظله الله بظله يوم لا ظل إلا ظله.
ويروى أن عمر بن الخطاب، لاحظ أن أبا بكر الصديق، يخرج كل يوم إلى أطراف المدينة بعد صلاة الفجر، ويمر بكوخ صغير ويدخل به لمدة، ثم ينصرف لبيته، فاشتد فضول عمر ليعرف ما يفعله أبو بكر داخل هذا البيت، فقرر ذات يوم زيارة البيت بعد خروج أبو بكر، ليتعرف على أهله، فوجد سيدة عجوز لا تقوى على الحراك، كما أنها عمياء العينين، فسألها عن أبي بكر، قالت لقد نظف لي البيت وكنسه، ثم أعد لي الطعام وانصرف، فجثا عمر على ركبتيه، وأجهشت عيناه بالدموع، وقال عبارته المشهورة: أتعبت الخلفاء من بعدك يا أبا بكر.
وكما في التطوع من الأجر والثواب، فإن فيه الكثير من السعادة وراحة النفس ولذة العطاء، وتهذيب الذات من الأثرة وحظ الأنا، وتنمية جانب الإيثار، وتعميق التكافل في المجتمع، حتى يصبح "المؤمنون في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم، كمثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى" كما جاء في الحديث الشريف.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ